نمط التّواصل وأهمّيته في العلاقات التّربويّة

-  في إطارالأسرة كمثال- 

                                                   

                                                                                                                             محمّد رؤوف الصّالحي-أستاذ علم نفس 

مشرف تربوي - باحث في علم النّفس التّنموي
تونس -ولاية نابل -مدينة نابل

 

الجزء 1:                                                            

من أبرز المشكلات التّي يتعرّض لها المربّون،الآبــاء والمدرّسون خاصّة،حسب الكثير من الدّراسات ،هي عدم إنصات الاطفال لهم وعدم قبولهم أصلا الاستماع لهم،وهي مشكلة معروفة ورائجة في مختلف الاوساط التّربويّة، فالأطفال عموما لايعيرون اهتماما لحاجات الكبار والرّاشدين سواء الآباء أو المدرّسون، ويركّزون أكثر الوقت على حاجاتهم الشّخصيّة من حيث طرق ومدى إشباعها.

وسنركّز في هذا العمل على دراسة هذه الظّاهرة  انطلاقا من نظريّات التّواصل وأفكار "توماس جوردنThomas gordon " بصفة خاصّة.

ويمكن تلخيص العوامل الأساسيّة المسبّبة للاختلال في العلاقات التّواصليّة بين  الرّاشدين والاطفال والكامنة وراء العديد من المشكلات التربويّة، بما يلي

*إنّ الرّاشدين من آباء ومربّين عموما لا يعبّرون عن حاجاتهم ومطالبهم بوضوح للأطفال عندما يستوجب الأمر ذلك، لاعتقادهم أنّ الطّفل لن يفهم ولن يوفّق في القيام بالسّلوك المناسب والمرضي،فيلجؤون مباشرة للأوامر والتّوجيه والتّهديد ومختلف الانفعالات السّلطويّة،أو إلى مواقف اللاّمبالاة أحيانا.وفي الحالتين هناك تصوّر مسبق لديهم،وهوأنّ الأطفال بـ"طبيعتهم" لايمكنهم التّفهّم وهم قاصرين عن التّحاور والتّفاعل الإيجابي معهم.

*بعض الرّاشدين يعتقدون انّه من الممكن التّحاور والتّفاهم مع الأطفال، لكنّهم لا يمتلكون طريقة واضحة ومقنعة تضمن لهم ذلك

*الكثير من الرّاشدين المربّين، ينسون أنّ عليهم أيضا حسن الاستماع لحاجات الاطفال ومشاكلهم وتفهّمها، لمساعدتهم على تنمية شخصيّاتهم وتحقيق توازنها، قبل مطالبتهم أن يقوموا هم بذلك

 

 :من صاحب المشكل او الحاجة( I

 :تظهر في العلاقات التّربويّة مع الاطفال، ثلاثة وضعيّات محوريّة تتمثّل فيما يلي 

 

الطّفل له مشكل:  فهو الذي يعيش حالة توتّر ولم يتمكّن من إشباع بعض حاجاته، فالمشكل خاصّ به ،طالما أنّ سلوكه لا يعطّل في شيء الحاجات الخاصّة للوليّ 

ليس هناك مشكل بين الطّرفين : فالطّفل لا يشعر بالتّوتّر والحرمان كما انّ سلوكه لا يتعارض مع حاجات الوليّ ومطالبه، فالعلاقة متوازنة.

الوليّ له مشــكل : عندما تكون حاجات الطّفل مشبعة لكنّ سلوكه  يسبّب مشكلا للوليّ ولا يتوافق مع مطالبه او مع ما يراه ملائما او ضروريّا...فالوليّ في مثل هذه الوضعيّة هو صاحب المشكل.

 

تؤكّد الدّراسات والبحوث في هذا السّياق على أهميّة تدرّب الاولياء والمربّين على تصنيف مختلف الوضعيّات والمواقف المعيشة مع الأطفال لتجنّب التّداخل والخلط فيها ومن اجل تحديد صاحب المشكل الذّي يعيش حالة توتّر واختلال توازن. فالملاحظ غالبا انّ الرّاشدين من الاولياء والمربّين يميلون إلى تجاهل و عدم فهم عدد كبير من مشاكل الاطفال وطمس حاجاتهم، ممّا يحمّلهم الكثير من المتاعب غير المجدية، ويعطّل اساسا المسار الطّبيعي للتّواصل والعلاقة التّربويّة الإيجابيّة، وهم بذلك يهدرون فرصا ثمينة للتّصرّف مع النّاشئة تصرّفا تربويّا رشيدا اقرب لتصرّف الفاحص والمرافق والمرشد. فالمرافق والمرشد الجيّد ينشغل حقّا بكلّ طفل من منظوريه، والفرق بينه وبين أغلبيّة الآباء أنّه يمنح الطّفل مسؤوليّة إيجاد حلّ لمشكلته،كما أنّه يتقبّل مبدئيّا ان يكون للطّفل مشكله الخاصّ والمستقلّ، لذلك فهو يركّز على المصادر والموارد الشّخصيّة والذّاتيّة للطّفل،ويزوّده بالثّقة اللاّزمة لبذل المجهود وتسوية مشاكله.إنّ أهميّة تعيين صاحب المشكل او لمن ينتسب المشكل في مختلف الوضعيّات والمواقف المطروحة بين الوليّ والطّفل تكمن اوّلا في تخليص أولياء الامور من نزعة التّقمّص والتّلبّس لكلّ ما يحصل للأبناء من مشاكل تخصّهم ممّا يعدم فرص تدريبهم على تحمّل المسؤوليّة وتنمية الترشّد الذّاتي لديهم،ومن ناحية اخرى في تحديد أدوار التّواصل وأغراضه في الوضعيّة المعيّنة،من يعبّر ومن ينصت لمن،وبالتّالي تمكين الوليّ المرافق و المتبصّر من تطبيق تقنية الإنصـــات الإيـجابي، عندما يكون الطّفل هو صاحب المشكل الذّي يحتاج فرصة كافية وظروف ملائمة للتّعبير،وأيضا فسح المجال للطّفل حتّى ينصت ويتعلّم الإنصات، عندما يكون الوليّ صاحب المشكل.

ومن الأكيد أيضا أنّ يفهم الاولياء انّ الإقرار بوجود مشاكل خاصّة بالاطفال تستوجب الاهتمام والإنصات، لا يعني تجاهل مشكلاتهم أو التّضحية بمطالبهم وحاجاتهم الشّخصيّة،وإنّما يتعلّق الامر بتعديل وتصحيح طريقة وأساليب التّعامل.

 

*موقف نموذجي للوصاية وطمس مشكل الطّفل أو تقمّصه:

-"الابن : " لا أريد أن أتعشّى  اللّيلة

-"الأب: " هيّا ابذل قليلا من الجهد.إنّ الاطفال في سنّك يحتاجون 3وجبات يوميّا

-"الابن: " أكلت بما فيه الكفاية في منتصف النّهار

-"الأب :"لا يهمّ تعالى اجلس إلى المائدة وانظر ماذا سنأكل

-"الابن :" من الأكيد أنّني لن آكل شيئا

-"الأب: " ما الذّي جرى لك هذا المساء ؟

-"الابن:" لا شيء

-"الأب:" إذا هيّا بسرعة لتأكل

-"الابن: " لست جـائعا ولن آكل

 

ليس من الصّعب ان نلاحظ في مثل هذا الحوار، أنّ الأب(الوليّ والمربّي) لم يشأ أصلا افتراض انّ هناك مشكلا لدى الطّفل يحتاج الإنصات،وانطلق في تقديم الاقتراحات والتّوجيهات وإصدار الأوامر، ولم يساعد ابنه على التّعبير والكشف عن الأسباب الكامنة وراء عدم الرّغبة في الأكل، والأب يبدو أيضا منزعجا وقلقا من جرّاء عزوف ابنه عن الاكل،وجعل من ذلك مشكله الشّخصيّ.في حين أنّ صاحب المشكل الحقيقيّ هو الطّفل،لأنّ العزوف عن الاكل وقت العشاء من قبل الطّفل ناتج عن مشكل يعيشه هو وليس الأب.ومثل هذه الوضعيّات التّي يحصل فيها الخلط والتّداخل في تحديد من صاحب المشكل عديدة جدّا ومتنوّعة،وهي عامل رئيسيّ من عوامل عدم جدوى التّواصل واضطراب مسار العلاقة التّربويّة

 

II)الإنصــات الإيجــابي عندما يكون المشكل خاصّا بالطّفل:

يكفينا القول انّه بكلّ بساطة،فتح الباب للطّفل ودعوته للحديث.لكنّه من المهمّ جدّا معرفة كيف يترك الباب مفتوحا.إنّ الإنصات الإيجابيّ طريقة تهدف إلى توظيف جملة من الاستعدادات الأساسيّة، ومن أهمّها لتحقيق ممارسة ناجحة للإنصــات الإيجــابيّ

 

*الرّغبة في الإنصات لما يريد الطّفل تبليغه،وتخصيص الوقت الكافي لذلك،وإن لم يتوفّر فالأفضل إعلان ذلك ببساطة وتأجيل الامر

*الرّغبة الفعليّة في مساعدة الآخر على حلّ مشكله الخاصّ الذّي يعيشه آنذاك 

* القدرة على تقبّل مشاعر الآخر ،مهما كانت أو اختلفت عن مشاعرنا ورغباتنا، والقدرة على تحييد الأفكار المسبقة عمّا يجب ان يكون عليه الطّفل، ولا تتحقّق هذه القدرة إلاّ بالفهم وإدراك أهمّيتها وممارسة وضعيّات مختلفة

*أن نشعر بالثّقة في قدرة الطّفل على الاعتناء بمشاعره الخاصة واتفعالاته،وفحصها وإيجاد الحلول المناسبة لها.وتكتسب هذه الثّقة تدريجيّا بملاحظة الطّفل وهو يطوّر معالجته لمشاكله.

*أن نتوقّع إمكانيّة التّغيّر والتّطوّر في المشاعر والأحاسيس(الكره إلى محبّة-اليأس إلى أمل-القلق إلى اطمئنان..) وبالتّالي ليس هناك ما يدعو للخوف من المشاعر المعبّر عنها، فمن المؤكّد أنّها لن تستقرّ عند الطّفل، والإنصات الإيجابيّ كفيل بذلك..

*أن نكون قادرين على اعتبار الطّفل كشخص مميّز عنّا،له وجوده الخاصّ وهويّته الشّخصيّة،لأنّ ذلك ضروريّ لمنح الطّفل فرصة ان يعيش مشاعره الخاصّة وأن يكتسب طريقة شخصيّة في إدراك الاشياء والمواقف والتّعامل معها.وبدون ذلك  سيكون من الصّعب جدّا ممارسة دور المرافق والمرشد الإيجابيّ المساعد على نماء الطّفل وتطوّر قدراته على حلّ مشكلاته.يجب ان نكون معه عندما يواجه صعوبات لكن بدون وصاية ولجم للمشاعر والانفعالات..

يتطلّب الإنصات الإيجابيّ ان نضع جانبا آراءنا وأحاسيسنا، حتّى يتسنّى لنا الانتباه الكامل لرسالة الطّفل في ما يعبّر عنه، وإدراكها بوضوح ودقّة،وتزويده بالتّغذية الرّاجعة المطمئنة والمعبّرة عن الفهم

نماذج  للإنصات الإيجــابيّ وملاحظات

أ/ وضعيّة1 تبرز دور الإنصات الإيجابيّ 

"الطّفل-باكيا :- " مروان أخذ منّي شاحنتي-

الوليّ أو المرافق : -" أنت تشعربالقلق والانفعال،ولا يعجبك أن يتصرّف-

 "معك هكذا  

"الطّفل :" نعم إنّه كذلك..هل أتركها لديه قليلا ثمّ أستعيدها؟-

    "المرافق :" يمكن إن أردت -

ب/ وضعيّة2 تبرز دور الإنصات  الإيجابيّ

الطّفل :" أمر لايصدّق... كم هو سيّء مدرّسي هذه السّنة، إنّي لا أحبّه فهو -

  "يغضب كثيرا ولا   يكفّ عن الشّجار

المرافق : " كأنّك تشعر بخيبة الأمل من هذا المدرّس، ولا ترجو منه -

    " خيرا

     "الطّفل :" نعم ذلك أكيــد -


الجزء 2:


ج/ وضعيّة 3 أطول وتبرز إتقان الوليّ للإنصات الإيجابيّ وظهور بعض النّتائج:

-الطّفل:" ليتني اصاب بزكام من حين لآخر، مثل صالح، إنّه محظوظ..."

-المرافق:" تشعر بالحرمان من شيء ما على ما أظنّ.."

-الطّفل:" نعم فهو بإمكانه ان يتغيّب عن المدرسة،وانا لايحصل لي ذلك أبدا.."

-المرافق:" انت ترغب أن تتغيّب عن المدرسة من حين لآخر،.."

-الطّفل:" نعم أريد ذلك، ولا أحبّ أن أذهب إلى المدرسة كلّ يوم بانتظام.إنّ ذلك يزعجني.."

-المرافق:" أنت حقيقة متعب من المدرسة "

-الطّفل:" في بعض الأحيان،وأكره ذلك.."

-المرافق:" بل أكثر من ذلك،لعلّك تكره المدرسة نفسها أحيانا."

-الطّفل:" تمــاما..إنّي أكره الواجبات المنزليّة والدّروس الطّويلة بالقسم.."

-المرافق:" أنت تكره كلّ شيء تقريبا بالمدرسة.."

-الطّفل:" في الحقيقة لا أكره كلّ المدرّسين بل اثنين فقط،وخاصّة أحدهما لا أتحمّله أبدا."

-المرافق:" هكذا أحدهما بالخصوص.."

-الطّفل:" نعم أكرهه...إنّه فلان ..فهو يزعجني كثيرا ولا أدري كيف ستمرّ سنة كاملة معه.."

-المرافق:" ترتبط به لفترة طويلة.."

-الطّفل:" نعم لا ادري كيف سأتحمّل ذلك.اتدرلاي ماذا يفعل، كلّ يوم يسمعنا محاضرة طويلة،..ويشرح لنا كيف يتصرّف التّلميذ المجتهد الذّي يشعر بالمسؤوليّة ويوصينا بكلّ ما يراه مطلوبا للحصول على درجات جيّدة في قسمه...إنّه يجعلني مريضا"

-المرافق:" من المؤكّد أنّك لا تحبّ سماع كلّ هذه الخرافة.."

-الطّفل:" نعم وحسب ما قال يبدو انّه مستحيل عمليّا الحصول على درجات مميّزة إلاّ إذا تعلّق الامر بعبقريّ او تلميذ مثاليّ.."

-المرافق:"كأنّك تشعر بالانهزام قبل البداية، وتظنّ أنّه ليس في متناولك الحصول على درجات ممتازة"

-الطّفل:" أكيد فلست بعبقريّ كما يقول، ولن أكون تلميذا مثالّيّا مقرّبا إليه،فهذا النّوع مكروه لدى الآخرين،وأنا لا أحظى أصلا بشعبيّة هامّة لدى أقراني، والقليل منهم فقط يتقبّلونني..."

-المرافق:" أنت لا تشعر بنفسك محبوبا، ويقلقك ذلك كثيرا."

-الطّفل:" نعم إنّ ذلك يؤلمني كثيرا، هناك مجموعة من التّلاميذ هم الأفضل دائما والجميع يحبّونهم، واتمنّى ان أكون منهم، لكن لا أدري كيف."

-المرافق:" يقلقك كثيرا ان لاتعرف كيف وماالذّي يجب فعله لتندمج في هذه المجموعة ."

-الطّفل:" نعم لا أحبّ ان أبقى خارج هذه المجموعة..،ولا أن أشعر بالإهمال، ولكنّي أخشى المشاركة معهم في الحوار.وضع لا يطاق"

-المرافق:" تريد أن تشارك معهم وتخشى من السّخرية وعدم القبول من قبل أفراد المجموعة."

-الطّفل:" من بعض الأفراد فقط ليس من الجميع،امّا الآخرين فهم اكثر تقبّل ولا أجد صعوبة في الاتّصال بهم.."

-المرافق:"فانت إذا تشعر أنّه بإمكانك التّعامل مع بعض أفراد هذه المجموعة وربّما تطوير العلاقة معهم"

-الطّفل:" فعلا..سأحاول ذلك،ولا اظّنّني أجد صعوبة في ذلك.."



د/ وضعية الطفل الذي اعرض عن العشاء رغم محاولات الأب ، تعرضنا لها سابقا كنموذج للوصاية. وفيما يلي نرى كيف يمكن مساعدة ذلك الطفل بالانصات الايجابي :

الابن : " لا اريد ان اتعشى هذه الليلة."

الأب : " لا تشعر باية رغبة في الكل ؟"

الابن : " ابدا احس بانقباض في معدتي اليوم."

الاب : " انت متوتر اليوم اليس كذلك ؟."

الابن : " متوتر ، ليست الكلمة المناسبة ، بل انني خائف."

الاب : " شيء ما يخيفك ؟."

الابن : " يمكن قول ذلك ! رايت اليوم صيقي وائل بعد الدرس ، فمر أمامي وكأنه لا يعرفني، على غير عادته . لقد شعرت انه يتجنبني."

الب : " انت تعتقد ان هناك سبب معين لا تعرفه، ويقلقك طلك."

الابن : " اخاف ان يكون قد استاء لمر ما ، وينوي مفارقتي."

الاب : " انت تحب صديقك ، ولا تريد ان يفارقك."

الابن : " نعم ، انه أفضل الجميع في الدراسة واللعب ، وهو أيضا يحبني ، لكن لا اعرف لماذا تصرف هكذا معي؟ !

الاب : " انت معجب به ولا تريد ان تخسره كصديق."

الابن : " نعم قد احاول الاتصال به غدا، وقدت الراحة."

ثم جلس الى المائدة ليأكل .

بعض من الاولياء الذين تعرض عليهم هذه التقنية الجديدة( والقراء أيضا ) ستكون لهم ردود الفعل التالية :

-      " لا يبدو لي هذا طبيعيا"

-      " لا يتكلم الناس هكذا "

-      " سأشعر بنفسي كالأبله وأنا أردّ بهذا الاسلوب ، على أبنائي"

-      " كل هذا الوقت وبهذا الاسلوب، لماذا ؟"

ان هذه المواقف قابلة للفهم، حيث ان الأولياء لم يتعوّدوا مع أطفالهم على شيء أكثر ممّا تعوّدوا على اصدار الاوامر والارشاد والاستجواب والحكم والتهدبد والردع... او الطمأنة وعدم التقدير الكافي للموقف. وبقطع النظر عن النتائج ، فان ممارسة هذه الطريقة، تستند الى مبادئ التواصل السليم واحترامذات الطفل.

* في الوضعيات الأربعة (أ،ب،ج،د) يبادر الطفل بالكلام و يعبر عن مشكل خاص به، فالولي ليس له  آنذاك مشكل خاص .

* في الوضعيات الأربعة (أ،ب،ج،د) يبادر الطفل بالكلام و يعبر عن مشكل خاص به، فالولي ليس له  آنذاك مشكل خاص .

ونسوق فيما يلي بعض الملاحظات التحليلية حول ما تقدم من نماذج لوضعيات الانصات الايجابي:

* في الوضعيات الأربعة (أ،ب،ج،د) يبادر الطفل بالكلام و يعبر عن مشكل خاص به، فالولي ليس له  آنذاك مشكل خاص .

* في الوضعيات الأربعة (أ،ب،ج،د) يبادر الطفل بالكلام و يعبر عن مشكل خاص به، فالولي ليس له  آنذاك مشكل خاص .

كما نلاحظ فيى كل واحدة من الوضعيات الأربعة ، أن الولي (كمتقبل)يردّ المعنى الذي فهمه وأدركه ، مخبرا به الطفل (الباث) الذي يعقب على ذلك بالموافقة و التأكيد ( تغذية راجعة مشجعة على المواصلة والتعبير العميق عن المشكل كما نرى ذلك بوضوح في الوضعيتين الثالثة والرابعة)

         * في الوضعيتين (ج،د) : نلاحظ ان – التعبير عن المشكل من طرف في البداية ، كان مقنّعا ورمزيا. وبفضل اتقان تقنية الانصات الايجابي ، توصل الولي الى معرفة الحاجات الحقيقية التي اختل لها توازن الطفل ، ومساعدته على الافصاح عن مشكله الاصلي بمختلف عناصره.

       * الولي يمتنع عن ابداء آرائه ومشاعره الشخصية أو أحكامه ونصائحه فلم يستعمل ضمير المتكلم " أنا" بأي شكل ، وكانت كل ردوده مستعملة لضمير المخاطب "انت" لتبليغ الفهم والادراك الحاصل فقط.

         * التدرج في التعبيير مما هو ظاهري الى ما هو باطني نفسي. ويدلنا ذلك على ان بعض المشاكل لا يمكن التعبير عنها بوضوح دفعة واحدة وان الموقف يستدعي جهدا معيّنا من الباثّ، ويشترط في العلاقة شعورا بالثقة والقبول والتفقه. وهي كما أسلفنا خصائص رئيسية لتقنية الانصات الايجابي. ونقترح على القارئ، في هذا الاطار، مقارنة الوضعية (د) ، بصيغتها الاولى التي لم تطبّق فيها تقنية الانصات ( انظر ص..)

         III كيف تتكلمون حتى ينصت لكم أبناؤكم:

   عندما يكون الوليّ (او المربّي ) هو صاحب المشكل ، كيف يضمن الانصات المناسب من طرف الطفل ؟ سؤال مشروع، ومن الأكيد انه يحوز قدرا أكبر من الاهمية لدى الآباء مقارنة بسابقه( متى و كيف ننصت لاطفالنا ).

كما قدمنا يحتاج صاحب المشكل ، أن يعبّر سعيا لخفض التوتر الذي يخل بتوازنه ، وايجاد حل مناسب ، وذلك بحضور طرف متقبّل يمارس الانصات. لكنّه ليس من المألوف" ان يشتكي الولي لطفله".. جملة تعبّر عن موقف غريب لدى أغلبية الآباء، وهو مرفوض لدى أكثرهم ، إلا أنّ ذلك هو الموقف الطبيعي تماما.أي ان يعبّر الوليّ عن حالة التوتر التي يشعر بها في موقف معين ، بوضوح، موجها كلامه للطفل كطرف مقابل في ذلك الموقف قصد تعديله وتغييره ، ذلك هو المدخل السّليم لجعل الاطفال يتحلّون بالانصات والتعاون.

ليس من المبالغة في شيء القول ان معظم الاولياء يستعملون طرق تواصل غير نافعة عندما يكون سلوك أطفالهم مزعجا لهم.

خلال وضعيّات تجريبيّة أجراها –توماس جوردن- على مجموعة من الاولياء تتكوّن من 20 فردا ، يقوم المدرّب او الباحث بقراءة وصف لوضعيات معتادة يكون فيها الطفل مزعجا لاهله ومقلقا لراحتهم ، مثل :


 

أ‌)      " بعد يوم طويل من الجهد والعناء في العمل ، انتم في حاجة للجلوس والراحة لبضعة دقائق، تستغلّونها لقراءة الجريدة. لكن احد ابنائكم (5 سنوات)، يلحّ على اللعب معكم ، ولا يتوقف عن جذب أيديكم والصّعود على ركبتكم والعبث باوراق الجريدة. في حين ان اللعب معه بالنسبة لكم هو آخر شيء يمكن الرغبة فيه في تلك اللحظة."

ب‌) " احد اطفالكم (3سنوات) يهم بافراغ كأس من الحليب فوق الزربية او البساط الجديد في غرفة الجلوس."

ج) ابنتكم ( 12 سنة) ترجع من المدرسة ،فتحضر لنفسها رغيفا ( Sandwitch )  وتترك المطبخ في حالة غير لائقة، بعد أن قمتم بترتيبه وتنظيفه طيلة ساعة من الزمن، قبل مجيئها، استعدادا لتحضير وجبة العشاء ."

د) " يطلب منكم ، احد أطفالكم الصغار ان تقرؤوا له قصّة، ثم واحدة أخرى ثم غيرها الخ..." 

بعد ذلك يطلب منهم المدرّب أن يسجل كل واحد منهم على ورقة شعوره وما الذي يمكنه قوله للطفل في كل وضعية من الوضعيات المقدّمة.

ومن خلال هذا التمرين ، اكتشفنا ان الاولياء عموما ، لا يتصرفون تصرّفا ناجحا في مثل تلك الوضعيات المعتادة نسبيا ، ويقترحون أشياء تجرّ غالبا الى النتائج التالية :

1)   حمل الطفل على العناد ورفض تغيير السلوك.

2)   جعله يفكر ان الولي يستنقص ذكاءه وقدرته على الفهم .

3)    جعله يفكر ان الولي ليس له أي تقدير لحاجاته.

4)   اشعاره بالذنب وتشويه صورته الذاتية.

5)   دفعه الى اتخاذ موقف الدفاع الحاد.

6)   إثارته وحفزه على التهجم وايجاد طرق الانتقام.

ليس من الممكن ، في الواقع ، ان يقدم الولي بوعي مسبق على تكبيل طفله بمثل هذه المشاعر والأحاسيس .الاّ انه ببساطة،لم يحصل ان اهتمّ الاولياء بملاحظة ما يمكن ان تخلفه اقوالهم ومواقفهم،من آثار ومضاعفات في اطفالهم.

* الطرق الغير ناجعة ومواصفاتها :

اطارها العام هو عدم ترك حرية التصرف والاختيار للطفل انطلاقا من عدم الثقة به وبقدراته، والمواقف السلطوية والزجرية عموما. ويمكن توزيع هذه الطرق إلى صنفين :

1)  بث رسالة حاملة للحلّ :

في كثير من الاحيان ، نكاد نقول او نفعل شيئا لطيفا ومحببا لشخص آخر او تغيير ما في سلوكنا لفائدة ذلك الشخص ، فإذا به يسبق ويطالبنا بذلك او يأمرنا به، تماما كما قصدنا فعله. ما هو رد فعلنا آنذاك ، او على الأقل بماذا نشعر ؟ هي حال من افتك منه شيء او اختطف من يديه من طرف الشخص نفسه الذي ننوي في نفس اللحظة تقديمه له او اهداءه إياه . سنقول في أنفسنا ، على الاقل : " لست في حاجة لقولك .." او " ألم يكن بوسعك الانتظار قليلا ؟ ! "

" بل أنا أريد ذلك ، ولن أفعله بطلبك .. وطاعة لأمرك.."

         الذي يقلقنا في مثل هذا الموقف ، هو أن الطرف الآخر يقدم حلاّ ولا يترك لنا فرصة المبادرة ويشعرنا بعدم الثقة . وهو ما يفعله الاولياء عموما  وبنسبة  تواتر كبيرة مع اطفالهم ، فهم دائما يملون عليهم ما الذي يجب فعله. وفيما يلي قائمة في مواقف البث حيث يقدّم الاولياء حلولا :

-      الامر والتوجيه و التحكم : ( اذهب للعب في الخارج ، توقف عن العبث بذلك...)

-      التحذير والتّهديد : ( اذا لم تكف عن ذلك  سأعاقبك ،...)

-      تقديم القواعد ودروس الأخلاق : ( يجب أن ننظف الأشياء بعد الاستعمال ، يجب أن تفعل كذا...)

-      النصح ، وتقديم الاقتراحات والحلول : ( ألا يمكنك وضع الأشياء في أماكنها ، لماذا لا تذهب للعب خارج المنزل ؟...)

وقد يتساءل كثير من الاولياء ما الذي يمنع أن أقدّم حلاّ ، خاصة وأن الطفل هو الذي يسبّب المشكل ؟ إلاّ أنّهم ينسون أنّ المشكل وإن كان سببه سلوك الطفل ، فإنّه مشكلهم كأولياء ، فهم الذين يتوتّرون ولا يقبلون الموقف ، في حين ان الطفل لا يقصد ذلك ، بقدر ما يعمل على اشباع بعض حاجاته أو التنفيس عن بعض الرّغبات المكبوتة...

كما أنه باتّخاذ مواقف تقديم الحل بالصبغ المذكورة ازاء الطفل ، يبقى مشكل الولي غامضا ، لم يقع الافصاح عنه ، ولا نتوقع بالنتيجة سلوك الانصات والتفهم من طرف الطفل ، بينما يمكننا توقع العناد والمغالطة والمواقف الدفاعية والاحتجاجية ، ومشاعر القهر والحرمان . اضافة لذلك لا يجب ان نستغرب ان يكبر الاطفال وهم دائما ينتظرون من يعوّضهم في ايجاد الحلول مكانهم ، ولا ان نشتكي من قلّة تحمّلهم المسؤولية في البيت او خارجه ، ومن عدم احساسهم وتقديرهم لحاجات الاولياء ، لاننا درّبناهم على ذلك ، وأضعنا الفرص المتتالية لتمكينهم ذاتيا من اتخاذ المواقف المسؤولة بدافع التقدير لحاجات أوليائهم.

2)  بث رسالة تحقير واحباط :

ليس من العسير فهم مشاعر الطفل وردود فعله الممكنة ، عندما توجّه له رسالة من هذا النوع، فالكلّ يعرف ما الذي نشعر به عندما نتقبل "رسالة" محقّرة ، تحتوي التوبيخ والمحاكمة والاستهزاء والنقد الجارح . ونجد هذا الصنف من الرسائل ، في المواقف التالية :

·     الحكم ، النقد ، التوبيخ :

- " انت عديم التفكير"

-      " كان عليك تجنب ذلك الامر"

-      انت لا تطاق.."

·     السخرية ، استعمال النعوت والاحراج :

-      " الا تخجل من نفسك"

-      " اتظن نفسك ذكيا بهذا الفعل.."

-      " يالك من تلميذ مجتهد ونجيب ! "

·     التأويل ، التشخيص و التحليل :

-      " انت تحاول ان تجلب الاهتمام."

-      انت تجتهد في ازعاجي"

-      تتصوّر اني سأصبر عليك طويلا..."

·     تلقين الدرس ، والاحتجاج :

-      ليس من اللاّئق مقاطعة الآخرين"

-      " الاطفال المهذّبين لا يفعلون ذلك.."

-      كيف تريد أن أكون أنا الذي أقوم لك بذلك؟"

كل الوسائل من هذا النوع من شأنها ، وتبعا لنسبة التواتر ، تكوين أطفال تزدحم لديهم مشاعر الذنب ، والاحساس بالظلم ، والقهر كما أنها  تؤثر سلبيا على مفهوم الذات عندهم وتسبب الشعور بالاحباطوعدم تقدير الذات . اضافة لانها ، في كثير من الاحيان تخلف الحقد ومحاولات رد الفعل . فالطفل مثلا سيفكر ان الانصات للولي وتغيير السلوك الذي لم يعجبه ، سيجعل التوبيخ أو النعوت والنقد الجارح الذي وجّه له مشروعا.

 

 

IV.      الطريقة الناجعة في معاملة الطفل

 

يمكن ايضا للغة الاولياء ان تكون بناءة ومطوّرة . فعندما يكتشفون الآثار السيّئة التي تنتج عن الرسائل المحقّرة والمحبطة ، يكون من المشروع أن يتساءلوا  عن الطريقة الناجعة والفضلى للتعامل مع أطفالهم.

1)   الرسائل بضمير المخاطب "انت" والرسائل بضمير المتكلم "انا"

 

عند ملاحظة الرسائل التي قدمناها كعينات مستعملة لدى الاولياء نحو اطفالهم ( المقدمة للحل ، والمحبطة.) يمكن أن ننتبه لظاهرة استعمال ضمير المخاطب في جميعها ( انت أو ما يفيد ذلك .) فهي كلّها موجّهة للآخر : ( لا يجب أن تفعل ذلك ن إذا لم تتوقف عن هذا العمل ، سترى ماذا يحصل ، أنت لا تطاق،...

في حين ان الولي ، عندما يكتفي بالتعبير عن المشاعر التي تولّدت عنده ، نتيجة سلوك غير مقبول قام به الطفل ، عندئذ تكون الرسالة عموما ، " رسالة رضمير المتكلم – أنا ." مثلا :

-      لا يمكن أن أستريح عندما يصعد أحد على ركبتي.."

-      لا يروق لي اللعب وأنا متعب.."

فهذا الولي المتعب ، لو اختار التعبير في رسالته باستعمال ضمير المخاطب – أنت – لما تمكّن من التعبير عن حالته بوضوح ولكانت رسالته  مثلا كما يلي :

 

الولي

يشعر بالتعب والإعياء

            الرّسالة

 

الطفل

تقييم سلبي :

" انا سيّء "

ترميز

Ü

أنت لا تطاق

Ü

فك الرّموز

 

 


عوض مثلا :

 

 


                                                            

 البديل باستعمال صيغة المتكلّم –أنا-

 

الولي

يشعر بالتعب والإعياء 

أنا متعب ، لا يروق لي

 اللعب الآن

أبي متعب وسلوكي يقلق راحته

 

يوضح الرسم ان استعمال الولي في رسالته لضمير – أنت – يجعل الرسالة تتمحور حول الآخر ، ولا تعبّر عن حالته الشعورية ( التعب والاعياء ) ، كما ان الطفل كمتقبل لن يفهم طبعا حالة الولي المطلوب تقديرها و مراعاتها . بل سيفهم الرسالة باعتبارها تقييما لشخصه ( تحقير وإحباط ) مما يضعه في موقف الدّفاع ويؤدّي الى المشاعر المذكورة سابقا.

أما استعمال الولي – ضمير المتكلم – للتعبير عن حالته وأحاسيسه ، بدقة ونزاهة ، فهي الطريقة الناجعة لجلب اهتمام وانصات الطفل وحفز روح التعاون لديه للمساعدة على اشباع حاجات الاولياء ومن دون شك ، فان امتلاك هذه الطريقة في الاتصال والتعبير وتحقيق الجدوى المرجوّة منها ، يتطلب تدريبا في وضعيات متعدّدة ومتنوعة.

نقترح فيما يلي، عينة صغيرة لوضعيات تستعمل فيها رسائل بضمير المتكلم-أنا- من طرف الولي ، ونترك للقارئ حرّية التصوّر والمقارنة بينها وبين بدائلها التي تستعمل ضمير المخاطب-أنت- :

* الأب يريد مطالعة الجريدة والحصول على قليل من الراحة بعد الرجوع من العمل . لم يتوقف الطفل عن الصعود على ركبته و العبث بصفحات الجريدة .

Ü  الأب يقول : لا أتمكن من قراءة الجريدة عندما تصعد على ركبتي . كما أني لا أحب اللعب معك لأنني متعب و أحتاج لبضعة دقائق من الراحة."

*الطفل يرفع من صوت الراديو لدرجة ، أزعجت والديه وعطلت حوارهم في الغرفة المجاورة :

Üالأب( أو الأم) : " لا يمكننا الكلام وصوت الراديو مرتفع بهذا الحد اضافة لانه يزعجنا كثيرا."

*الطفل يريد الذهاب مع والديه للنزهة ، ولم يقم بعمل وقع الاتفاق عليه :

 Üالوليّ يقول : " لا يروق لي أن أقدم لك أية خدمة عندما لا تحترم اتفاقنا .."

 وفي مستوى هذا الحدّ من الدّراسة نفهم أهميّة صياغة الخطاب(الرّسالة) صياغة واضحة وصريحة شكلا ومضمونا،من حيث الكشف عن حقيقة المشكل أو الدّافع في عمليّة التّواصل لتكون إيجابيّة ومثمرة ،وبخلاف ذلك تتعرّض عمليّة التّواصل بين طرفي العمليّة التّربويّة لمهدّدات كثيرة ويكون مصيرها الإحباط وهدر الطّاقة وفقدان النّجاعة المنشودة.../..